العملات الرقمية في تشريعات الامريكان.


نحن الان في 2022 ، اي بعد اكثر من 12 سنة على ظهور اول عملة رقمية بالعالم ، ولا زالت هذه الصناعه لا تحظى بالوضوح التنظيمي الذي تستحقه ، تخطى سوقنا 2.5 ترليون كواحد من اسرع الاصول والاسواق نموا بالتاريخ ، من صفر الى 3 ترليون بظرف عقد من الزمان ، ولا يزال الامريكان يتخبطون في حيرة بالغة في كيفية توجههم لتنظيم هذا السوق.


لربما بات واضحا الان ان الحرب في اوجها بين جهتين تنظيميتيين ، لفرض السيطرة على هذا السوق الناشيء وعدم المغامرة بخسارة تلك الارباح سواء من الغرامات او رسوم التسجيل لدى كل من هيئة الاوراق المالية او تلك الاخرى المسماه لجنة تداول السلع الاجلة.

تنظم هيئة الاوراق الاسهم والشركات العامة الامريكية (اي تلك المدرجة بسوق البورصة) او من تود الطرح العام. وتندرج تحت مسؤوليتها الحفاظ على نزاهة السوق في منع اولائك صناع القرار من التداول و التكسب من مايملكونه من معلومات مسبقة قبل العامة والمنافذ الاخبارية والمعروف بالانسايد تريدنق. ايضا تقنن كميات البيع المتاحة للرؤساء التنفيذيين لتلك الشركات ، والتاكد من صحة وسلامة الاوراق المحاسبية. تدعي هذه الهيئة دوما ان اولوياتها هي حماية المتداولين الصغار (retail investors) لكن من يعرف القراءة بين السطور ان هذا ليس هدفها الرئيسي حقا ، فلم تستطع الهيئة حتى الان ان تقضي على التداول من الداخل والاستفادة من المعلومات قبل ان تتاح للعامة. يقال ان نانسي بيلوسي من مجلس النواب الامريكي حظيت بافضل سنواتها بالاستفادة من ما تملكه من معلومات يساعدها على تحقيق عوائد خرافية في سوق الاسهم. ناهيك عن القانون الوضيع الذي يمنع اي شخص ان يستثمر بشركة ناشئة قبل الطرح العام مالم يكن دخله السنوي اكثر من 200 الف دولار. هذا القانون ليس لحماية صغار المستثمرين فهم ليسو بحاجة لجليسة اطفال بل لحماية الاغنياء بازالة هذه الفرصة من العامة وتوفيرها فقط لنخبة قليلة.

ناهيك عن فشلها الذريع في قصة بلفورت و بيرني مادوف ، او حتى في سوق العملات الرقمية حينما تاخرت دهرا قبل ان تقوم باتخاذ اجراء قانوني على واحدة من اكبر عمليات الاحتيال في سوقنا والمعروفة بحادثة بتكونكت 2018.

او حتى قضاء موظفيها الجزء الاكبر من ازمة 2008 في متابعة المواقع الاباحية (رابط).


بينما على الجانب الاخر تقوم لجنة تداول السلع الاجلة بتنظيم العقود الاجلة على السلع سواء النفط الذرة او حتى البتكوين ، بما ان البتكوين حتى الان هو الاصل الرقمي الوحيد ذو الوضوح التنظيمي كسلعة.

كان خطاب هينمان في 2018 وهو احد مسؤولي هيئة الاوراق المالية الامريكية ان الايثر والبتكوين لن تصنف اوراقا مالية ولن يكون تنظيمهما تحت مسؤولية هية الاوراق بمثابة اكبر واهم خبر في سوقنا وقتها ، لماذا؟ لان هؤلاء لا يخرج من افواههم اي اجابات او توجيهات واضحة وغالبا مايبدأون القول " هذا رايي وليس بالضرورة رأي الهيئة" ، وايضا لانه استخدم مصطلح ( لامركزية بشكل كافي يجعلها سلع وليست اوراق مالية) بمعنى ان المركزية تلعب دور مهم في تقييمهم وستبدا الشركات في مجال الكربتو باخذ هذا بعين الاعتبار.

 حتى وان اخذت موعد لمقابلة هولاء المسؤولين لمعرفة كيف يمكن ان تتصرف بسوق ناشيء بدون اثارة غضبهم واخذك للمحكمة فلن تجد اي اجابة وهذا الكلام صرح به مؤسس كوين بيز. هم على دراية ان اغلب الشركات الناشئة بالمجال غالبا ليس لديها الموارد الكافية لمجابهتهم في جلسات محكمة ، وهذا فعلا ماحدث مع kik ، لم تستطع كيك المواصلة بدون فصل الموظفين. يقول احد مسؤولين كيك ان الهيئة لعبت بقذارة حيث اخذت الكثير من احاديثنا من سياقها والتلاعب بها لاظهارنا بمظهر النصابين ، وتمديد الجلسات لتجفيف مواردنا.


هذا حتى اصطدمت الهيئة مع ريبل ، احد اكبر شركات البلوكتشين بالعالم اليوم ، ولعل الهيئة لم تقدر بشكل سليم حجم قدرة ريبل على تعيين افضل المحاميين ( اغلبهم خدم في الهيئة سابقا). على الرغم من ان الهيئة لازالت تمارس نفس السلوكيات الوضيعة من طلب تمديد للجلسات او المماطلة بتسليم الاوراق المطلوبة من القضاه الا انها حتى الان لم تستطع تسجيل فوز كبير ضد ريبل بالجلسات. الجدير بالذكر ان القضية تحظى باهتمام عال من بروفيسورات القانون في جامعات امريكا .. لماذا؟ لان وبكل بساطة تعد هذه القضية سابقه نوعية ، فهي اول قضية ترفعها الهيئة ضد مشروع كربتو لايكون فيه طرح اولي ico initial coin offering ، وهذا ماجعل الهيئة في حرج كبير حاليا لان ريبل طلبت بالمحكمة تحديد الفرق بين ايثر و xrp ليحصل ايثر على الضوء الاخضر وعلى الرغم من قيامهم بطرح اولي في عام 2014 وبين xrp ، ان اخذنا التشابه التقني الكبير واللامركزية بكلا المشروعين حسب ما قال هينمان.. لكن على مايبدو ان الهيئة تراجعت عن خطاب هينمان وما قاله 2018 على الرغم من ان الرجل استعمل بالخطاب كلمات مثل "نحن نرى" ، وقالت ان هذا رايه الشخصي فقط ولا يمثل بالضرورة راي الهيئة ، اي هذا يعني ان الايثر ايضا لايزال بخطر تصنيفه كورقة مالية وهذا ما اعلنت محامية مختصة انها بدأت تسمع هذا الضجيج داخل اروقة الهيئة ( رابط ). هل تريد الهيئة السيطرة على مجال الdefi عن طريق السيطرة على ايثريوم؟ هذا بالتاكيد ما اوضحه قاري قنسلر بجلساته مع الكونغرس.. كل شي بالنسبة لقاري (الرئيس) ورقة مالية ، على الرغم من تصريحه (كمحاضر جامعي) ان 80% من سوق الكربتو يعبتر سلع وليست اوراق مالية!

تعتمد الهيئة في تحديد ما اذا كان الاصل ورقة مالية ام لا على اختبار قديم يسمى اختبار هاوي ، حيث قامت شركة هاوي للبرتقال ببيع اراضيها مع الوعد باستئجارها من ملاكها الجدد ومواصلة زراعة البرتقال فيها ، حيث رفعت الهيئة في الاربعينات قضية ضد الشركة واتهمتها ببيع اوراق مالية غير مسجلة لدى الهيئة وكسبتها ، ليس لان البرتقال بحد ذاته اوراق مالية ، ولا الاراض بكل تاكيد ، لكن بطريقة تعامل الشركة ووعدها للملاك بالاستئجار ومواصلة الزراعة ، ولربما كان الحافز الوحيد لشراء التجار تلك الاراض.

تمنع القوانين الامريكية جمع الاموال من العامة بهدف الاستثمار ، مثلا يمنع ان تجمع اموال لبناء الايثريوم قبل ان تكون شبكة الايثريوم جاهزة تماما ، وقتها لافائدة حقا من امتلاكك عملة ايثر سوى فقط كونها استثمار ، وليست جاهزة كعملة خدمية .. وهذا ماقاله فيتاليك في احد الفديوهات قبل بناء الايثر انهم سيحاولون تجنب هيئة الاوراق قدر المستطاع.

لذا هذا القانون جعل كل العملات المطروحة كـicos تخسر في مواجهة الهيئة في المحاكم او حتى قبل ان تصل المسالة للمحاكم ، حيث وافقت block one على دفع غرامة 20 مليون على جمعها 4 مليار دولار لبناء EOS.

وايضا ماهية الاعتماد على طرف ثالث للبناء والتطوير وخلق القيمة مهمة جدا في تحديد ماذا كانت ورقة مالية ام لا ، فمثلا امتلاكك لسهم امازون فانت تعتمد على الشركة بالتوسع وبناء منتجات جديدة لخلق قيمة اكبر لاسهمك. لكن هل ينطبق هذا على امتلاكك xrp ؟ ريبل لم تقم ببيع xrp مباشرة للافراد وهذا ايضا مايجعل القضية فريدة من نوعها ومهمة جدا لصناعة الكربتو والعملات المشفرة ، فلو خسرت ريبل القضية فلم يعد جمع المال وطريقته مهما في تحديد ماذا كان الاصل عملة / سلعه / ام ورقة مالية وستكون مرجع للقضايا المقبلة تماما كقضية هاوي ولا يحق المجادلة حتى فيها ، اما فوز ريبل فيها فسيتم معرفة مالخطأ ومالصواب المتطلب فعله في هذا السوق لان هيئة الاوراق المالية ترفض تماما التوجيه للمشاركين بهذا السوق ، هيئة الاوراق ترفض حتى اخبار منصات التداول عندما تغرمها على ادراج اوراق مالية عن اسماء العملات المخالفة .. نعم بهذه الوقاحة! ريبل ايضا لم تقم بتوقيع عقود استثمار ووعود بخلق قيمة اكبر لxrp عندما تقوم ببيعها على المنصات والمستثمرين المعتمدين وهذا مافشلت الهيئة باثباته كي يتطابق مع اختبار هاوي ، ايضا xrp وشبكته جاهزة للاستخدام فعليا قبل ان تقوم ريبل ببيعها ، فمثلا انت تستطيع نقل القيمة مابين المنصات الرقمية او تحويلها لمبتعث بدون الحاجة لموافقة ريبل. ولعله يمكننا التشبيه هنا بين ريبل و xrp ومابين ابل والايفون ، فعندما تقوم بشراء منتجات ابل انت لاتقوم بشراء عقد استثماري او اسهم في شركة ابل.

لربما ان ريبل خالفت بطرق بيعها xrp لكن هذا لايجعل xrp ورقة مالية بكل تاكيد ، حتى الهيئة نفسها تسمي بلوك تشين xrp بالمتقدم والمعقد لكن التوكن xrp نفسه بلا فائدة حسب مايقولون في اوراقهم للمحكمة.. ولربما ان اقرت الهيئة ان xrp نفسه ليس ورقة مالية بل بطريقة ريبل في البيع ستكون قضيتها اسهل! لكن الهيئة مصره بغباءها ان الاصل الرقمي نفسه يمثل ورقة مالية ، اي يمثل ملكية في شركة ريبل نفسها.


الصناعه كلها تنتظر على احر من الجمر نتيجة المحاكمة مابين الطرفين  ريبل والهيئة ، لانها وبكل تاكيد ستشكل مستقبل هذه الصناعه كلها ، لان ريبل وعلى عكس من سبقوها لم تفضل التسوية مع الهيئة بدون وجود الوضوح التام والتصنيف المباشر الواضح لهذه الاصول الرقمية. الوضوح سيمكن الشركات الكبيرة من بناء منتجاتها على العملات الرقمية بدون الخوف من المشرعين ، والمفترض من المشرعين تحديد ارض متساوية الاطراف كي يتمكن الكل من اللعب بدون افضلية لاحد على الاخر ، فالمشرعين ليست من مسؤولياتهم اختيار من يفوز او من يخسر بالسوق.


ماذا يعني ان يتم الحكم على عملة رقمية كورقة مالية؟

كي اضع الامر بطريقة مبسطة تخيل ان تصنع سيارة مكيفة وفيها كل سبل الراحة وتوفير الوقود ، لكن بدلا من قيادتها تربطها بحمار ليجرها .. هذا ماسيعنيه الحكم ، بمعنى تخيل ان تنتظر بداية الاسبوع كي تصل حوالتك من العملة الرقمية من منصة لمنصة والتي لن تاخذ وقتا اطول من 5 دقائق حتى. هل ستفرض قيود بيع على كبار ملاك العملة؟ كيف تستطيع انفاذ ذلك قانونيا ان كان اكبر ملاكها خارج نطاق قوانينك؟.

  لن تصبح العملة الرقمية عملية جدا في جو من البيروقراطية القديمة التي لازالت تسود سوق الاسهم والاوراق المالية. 


مقترح جيان كارلو :

"هيئة الاوراق ليس لديها الخبرة الكافية لتنظيم سوق العملات الرقمية " - رئيس لجنة تداول السلع الاجلة الحالي.

اقترح جيان كارلو قبل اسبوعين ، وهو الرئيس السابق للجنة تداول السلع الاجلة ، تاسيس مكتب جديد مختص بالعملات الرقمية وتنظيمها ، يتكون من اعضاء من الجهتين ، اي من هيئة الاوراق ولجنة تداول السلع الاجلة ، تماما كالمكتب الذي اسسه هو مع جي كلايتون رئيس هيئة الاوراق السابق 2018 ولكن الفرق ان يكون رئيسه معين من رئيس الولايات المتحدة.

وهذا اقتراح قد يوفر على الامريكان كثير من الوقت ، وقت لم يعد يملكونه مع تطور الصناعه الكبير وبقاء الشركات الامريكية متخلفة عن الركب وعن منافسيها الاجانب وهروب هذه الشركات لدول بوضوح تنظيمي اكبر كالامارات وسنغافورة كما قال براين برووكس للكونغرس.
لربما ان السوق الامريكي ليس الوحيد بالعالم ، لكنه بكل تاكيد ضخم ويسعى له الكل وليس فقط شركات العملات الرقمية، سوق لاينافسه حتى السوق الصيني!

ولربما هذا الاقتراح قد يوفر الحرج على اعضاء الكونغرس الذين غالبا لايفهمون ماهو البلوكتشين حتى ، وهذا سيكون افضل بكل تاكيد من مقترحاتهم التي قد تفضل البعض على الاخر ، مثل ما اقترحو اعفاء المعدنين من تسجيل بيانات مستخدمي الشبكة وبنفس الوقت مطالبة الموثقين في لوغرثم اثبات الحصة بتوفير هذه البيانات والتي ستكون مستحيلة جدا وقد تقتل كل المشاريع العاملة بهذا اللوغارثم.

لعلي اختم بنكتة يرددها المحامي جيرمي هوقان لتوضيح صعوبة الامر على المواطن الامريكي :" يقوم الامريكي بتغيير موقعه عن طريق البرمجيات للتحايل على منصة باينانس كي يستطيع ان يمارس الراس مالية على منصة * صينية * " 







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا تعلق البشرية امالا كبيرة على البلوك تشين؟